الصلاة من أعظم النعم التي امتنَّ الله بها على عباده؛ إن لم تكن أعظمها على الإطلاق؛ فقد عبر عن ذلك قول النبي صلى الله عليه و سلم: «وجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيني في الصلاة» (صحيح الجامع رقم 3124).
فالمسلم يلجأ فيها إلى الله متجردًا من كل همومه، مُلقيًا بكافة حمولِهِ على الله ؛ مفوضاً كل أمره إليه؛ ويبرأ من كل حوله إلى حول الله وقوته؛ ويناجيه متذكرًا واسع رحمته به، و فيوض عطاءاته إليه، و يتأمل كيف انه حدد له كيفية الصلاة قولًا و فعلاً، فحتى اختيار ماذا يقول و ماذا يفعل حمله عنه، و لم يتركه لاجتهاداته و تخبطاته، فاختار له أبلغ و أجمل و أطهر ما يلفظ اللسان فيقف المُصَلّي بين يدي ربِّهِ مقبلاً عليه يستعينه ويستهديه ويستغفره؛ ويجدد معه عهد الولاء والطاعة له؛ والبر والإحسان إلى خلقه؛ فيشعر آنذاك أنه قريب من حنان ربه و عطفه و رحمته وولايته.
و اختار له من الأفعال ما يُخضِع القلب و يشعر النفس بالراحة و السكينة و الطمأنينة، فكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «يا بلالُ ! أَقِمِ الصلاةَ ،أَرِحْنا بها» (صحيح الجامع رقم 7892) فإذا بدأ يتذوق الكلمات يشعر أنه انتقل إلى عالمٍٍ آخر حيث الجمال و الجلال، ويستشعر معنى العبودية الحقة لله، فهو الشكل الوحيد للعبودية الذي يتولد منه أعمق معاني الحب، فالله خلق عباده و هو محب لهم و كل ما فرضه عليهم بدءاً من الصلاة وغيرها ليُدرِكوا أنهم لن ينعموا بهذا الحب حتى يستشعروه؛ وحتى يبادلوه حبًا بحب و يصل بهم إلى درجة الرضا؛ فيستجلوا من نعمه الظاهرة نعمه الباطنة، و يستبشروا من نعمه السابقة بنعمه المستقبلية.
و كلما هم الشيطان أن يختلس من صلاتهم فيذكرهم بغوائل الدنيا و تربصها تذكرهم الكلمات بحماية الله ورعايته وأنه كافيهم وولّيُهُم.
فمنذ افتتاح الصلاة و حتى ختامها تذكر الكلمات المسلم بأسماء الله الحسنى التي تعبر عن مطلق صفات الكمال، كلما ازداد إليه تذللًا و إفتقارًا؛ كلما زاده عزة وغِنى عن العباد. فإذا عاوده الشيطان؛ أفاق على الحقيقة الهامة؛ وهي أن هذه اللحظات الثمينة قد تكون هي آخر عهده بالدنيا؛ فيستميت لجعلها خالصة لخالقه ومولاه لاستثمار هذه الفرصة لاغتنام أحسن خاتمة على الإطلاق، فإن لم تأت الخاتمة بعد؛ فيكون قد اجتاز أكبر اختبار للسريرة؛ فتصلح سريرته كلية؛ والنتيجة الحتمية لذلك هي صلاح علانيته فيفوز بسعادة الدنيا ونعيم الآخرة.
ومن واسع فضل الله أن هذا المعراج المبارك لايستغرق بضع دقاثق معدودات لا تَعْدِل ما تستغرقه صغار المهام اليومية، إلا أنه يمده بعطاء رباني لا حدود له.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق