اسمع القرأن

الاثنين، 3 مايو 2010

حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على أمته



حامد المهيري

قال النبي صلى الله عليه وسلم "أخاف على أمتي من بعدي ثلاثا: حيف الأئمة، وإيمانا بالنجوم، وتكذيبا بالقدر" حديث نبوي رواه ابن عساكر عن أبي محجن، تضمّن ثلاث مهلكات: الظلم، والشعوذة، والتكذيب بالقدر. وهذا من شفقة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته حيا وميتا، فكان حقا كما قال الله تعالى عنه "لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم" "التوبة128".

لقد بدأ الحديث بذكر "حيف الأئمة" إشارة إلى ظلمهم وجورهم، وما ينجرّ عن انحراف السلطان، إذ في انحرافه ثمرة معاصي الرعية. ولهذا نهى الله نبيه داود بقوله "يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب" "ص26"، وأمر تعالى بالعدل "إن الله يأمر بالعدل والإحسان.." "النحل9". وأمر أن يكون الحكم عادلا "وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل" "النساء58". ثم أوضح الحديث النبوي الآتي أهمية وقيمة الجزاء الذي يجازي به الله تعالى عباده المقسطين، فقد روى مسلم وغيره عن عبد الله بن عمرو "إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمان عز وجل، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا".

إن الإسلام قائم على أساس مقابلة فعل الخير الدنيوي بالثواب الأخروي، وعلى الطاعة والتقوى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وعلى التواضع واستقذار شهوة الاستعلاء وبناء الدولة على الشورى، وعلى احترام المال العام، وعلى تنشئة الأجيال على الأخلاق والقيم الإسلامية وربطها بالكتاب والسنة النبوية والتراث وباللغة العربية، وآدابها، وبالتاريخ الإسلامي كله، ومواكبة المسلمين لغيرهم من الأمم والتفوق عليهم في كل ما يصون رسالة الأمة ويدعم مكانتها المادية والحضارية. قال سعيد بن سويد، بحمص "أيها الناس، إن للاسلام حائطا منيعا وبابا وثيقا، فحائط الاسلام الحق، وبابه العدل ولا يزال الاسلام منيعا ما اشتد السلطان، وليست شدة السلطان قتلا بالسيف، ولا ضربا بالصوت، ولكن قضاء بالحق وأخذا بالعدل".

في عهد عمر بن عبد العزيز كان الوليد بن عبد الملك قد هدّم جزءا كبيرا من "كنيسة يوحنّا" ليقيم عليه امتداد المسجد الأموي، وصار هذا الجزء مسجدا، فكان أقصى ما يستطيعه حاكم عادل في هذا الموقف أن يعطي تعويضا سخيا أو أرضا بديلة؛ ولكن عمر بن عبد العزيز يتعامل مع العدل بأسلوب مختلف، فقد أصدر أمره بهدم ذلك الجزء، وإعادة الأرض إلى الكنيسة؛ وقد حاول علماء وفقهاء دمشق إقناع أمير المؤمنين بالعدول عن قراره، لكنه حدّد اليوم والساعة لانجاز ذلك، فلم يجد العلماء سبيلا سوى أن يتفاوضوا مع زعماء الكنيسة في دمشق ويعقدوا معهم اتفاقا ليتنازلوا بموجبه عن الجزء المأخوذ من كنيستهم ويقع إعلام الخليفة بذلك الاتفاق، فيحمد الله ويقرّه. هذا هو الاسلام، فلماذا لم يقتد بعدله غير المسلمين اليوم؟ ثم اختصم إلى عمر بن الخطاب يهودي ومسلم، فرأى الحق لليهودي فقضى له، فأين العدل هذا اليوم؟

وفي الجزء الثاني من الحديث "إيمانا بالنجوم" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد" رواه أبو داود وأحمد عن ابن عباس. فمنذ القدم كانت الكهانة وادعاء علم الغيب، والاستدلال بالنجوم في مواقعها وتحركاتها على ما سيكون في المستقبل، وعلى العرافة: وهي ادعاء معرفة الأمور بمقدمات وأسباب يستدل على مواقعها، وعلى الطيرة: وهي التشاؤم بالشيء أو الاستدلال من طيران الطائر، أو من رؤية شيء، أو سماع صوت على ما يحصل للإنسان، وعلى الطرق وهو الضرب بالحصى أو الودع، وعلى ضرب الرمل وهو وضع خطوط وعلامات على الرمل لمعرفة ما يخبأ للانسان، وعلى قراءة الفنجان وهو الاستدلال بآثار القهوة على الفنجان على ما يفكّر فيه شاربه، وعلى قياس الأثر أي أخذ قطعة من ثياب الانسان أو متعلقاته وقياسها بالشبر والأصابع، والاستدلال بذلك على ما يكون لصاحبه..

هذه كلها وأمثالها نهى الاسلام عنها لأنها تتنافى مع اختصاص علم الله. قال الرسول عليه الصلاة والسلام "ليس منّا من تطيّر، أو تطيّر له، أو تكهن أو تكهّن له، أو سحر أو سحر له" رواه البزار والطبراني. وقال "من أتى عرّافا فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوما" رواه مسلم؛ وأضاف "من أتى عرافا أو كاهنا فصدق بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد" رواه أصحاب السنن.

فعلم الغيب استأثر الله به "قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله" "النمل65". وقد يُطلع رسله على ما شاء من غيبه لحكمة ومصلحة، فقال تعالى "عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا، إلا من ارتضى من رسول" "الجن26- 27" أي لا يطّلع على شيء إلا من اصطفاه لرسالته يظهره على ما يشاء من الغيب، وهذا من الغيب المقيّد. أما الغيب المطلق فلله تعالى، بدليل قوله تعالى "قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسّني السوء" "الأعراف188"؛ فمن ادّعى الغيب بعد كل هذه الأدلة فهو كاذب.

وفي الجزء الثالث من الحديث "تكذيبا بالقدر"، فإن الايمان بالقدر من أصول الايمان، ففي رواية مسلم عن عمر بن الخطاب قال الرسول صلى الله عليه وسلم "..أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وتؤمن بالقدر خيره وشرّه"، قال تعالى "إنا كل شيء خلقناه بقدر" "القمر49".

وقد صنفت مراتب القدر كما يلي: أولا، العلم: أي أن تؤمن بأن الله بكل شيء عليم لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، وعلمه أزلي أبدي. ثانيا، الكتابة: أن تؤمن بأن الله كتب في اللوح المحفوظ مقادير الخلائق، قال الله تعالى "وإن من شيء إلا عندنا خزائنه" "الحجر21". ثالثا، المشيئة: فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. رابعا، الخلق: فهو سبحانه خالق كل شيء وهو على كل شيء قدير.

والإيمان بالقدر لا يعني ترك العمل، قال تعالى "فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله" "الجمعة10"، وفي الحديث النبوي "اعملوا فكل ميسّر لما خلق له".. ولذا قال تعالى "ولا يفلح الساحر حيث أتى" "طه69"، وقال جل شأنه "وكان أمر الله قدرا مقدورا" "الأحزاب38"، وقال أحد الشعراء:

دع الأقدار تفعل ما تشاء
وطب نفسا بما فعل القضاء
ولا تفرح ولا تحزن بشيء
فإن الشيء ليس له بقاء.

الزوار

free counters

بحث هذه المدونة الإلكترونية