اسمع القرأن

الثلاثاء، 1 مارس 2011



فضل آل البيت

أعده للنشر: عاطف حسانين

لمن لا يعرفون فضل آل البيت، ومن لا يفهمون لماذا جعل الله الصلاة عليهم جزءا من صلاتنا له إذ نصلي عليهم في ختام الصلاة..

إلى من ظنوا أن الشيعة أولى بالحسين وآل البيت من أهل السنة..

إلى كل من يريد أن يعلم شيئا من قدر آل البيت ومقام آل البيت وعظيم بلاء آل البيت النبوي.. رجالا ونساء.. نعرض عليكم من خلال هذه الحلقات المتصلة -بإذن الله- مشاهد من استشهاد الحسين، وما حلّ بأهل بيت النبي بعدها من ابتلاءات لا تتحملها الجبال الرواسي.. كما يرويها لنا العالم الجليل الحبيب علي الجفري..

الحسين هو سيد شباب أهل الجنة.. هذا هو ما أخبرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن لماذا حاز الحسين هذه الرفعة وهذه المكانة، هل فقط لنسبه من رسول الله؟ هل لأنه قال عنه صلوات ربي وتسليماته عليه: "الحسين مني وأنا من حسين"؟ لا، ليس لهذا فقط رغم أن هذا بمفرده عند الله عظيم، ولكن لأن لكل مقام عند الله ثمن، فقد دفع سيدنا الحسين ثمنا غاليا ليس فقط بخُلقه وعبادته، وإنما بذل في سبيل ذلك كل شيء، حتى حياته دفعها ثمنا لإعلاء كلمة الحق؛ ليضرب لنا ولكل إنسان خلقه الله حرا إلى يوم القيامة أروع الأمثال في التضحية والفداء..

فهيا بنا معا نتعرف على لمحات من قصة استشهاد الحسين.. حين خرج إلى الكوفة لنجدة أهلها، مما وقع عليهم من ظلم ومن ظلمات.. في عهد يزيد بن معاوية بن أبي سفيان..

عن قصة خروج الحسين كما يرويها أهل السنة أنه عندما فاجأ الخليفة معاوية بن أبي سفيان الأمة بترشيح ابنه يزيد للخلافة، وقد بدأ بأخذ البيعة له في حياته لم يعارضه إلا أهل الحجاز، وتركّزت المعارضة في الحسين بن علي، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير. وعندما توفّي معاوية بن أبي سفيان سنة 60هـ، وخلفه ابنه يزيد بعث إلى واليه بالمدينة لأخذ البيعة من الحسين، الذي رفض أن يبايع يزيد كما رفض -من قبل- تعيينه وليا للعهد في خلافة أبيه معاوية، وغادر من المدينة إلى مكة لحج بيت الله الحرام، فأرسل إليه يزيد بأنّه سيقتله إن لم يبايع حتى ولو كان متعلّقا بأستار الكعبة.

فاضطر الحسين لقطع حجّته وتحويلها إلى عمرة فقط وخرج ومعه أهل بيته وأكثر إخوته وأطفاله من مكة قاصدا الكوفة، بعدما أرسل له الآلاف من أهلها الرسائل بأن أقدِم فليس لنا والٍ عادل، وإنّا بحاجة إلى إمام نأتمّ به.

تجمّع أهل الكوفة في بيت زعيمهم سليمان بن الصرد، واتفقوا على أن يحثوه على القدوم ببعث الرسائل حتى بلغت 12 ألف رسالة. وهنا اعتزم الإمام الحسين رضي الله عنه أن يخرج إلى الكوفة، بعد أن مكث في مكة المكرمة أربعة أشهر.

طلبوا منه الخروج إليهم لنصرتهم ومبايعته، ثم خذله من خذله وتركه وتقاعس عن الوقوف في جانبه من تقاعس.. وحوصر عدد من أتباعه من أهل الكوفة، ليبقى الحسين وآل بيته ونفر من أنصاره وحدهم أمام جيش كبير من أنصار يزيد..

عندما أصبحت المواجهة بين أنصار الحسين وأنصار البغي والعدوان وشيكة، طلب الحسين من أنصاره أن يعودوا لديارهم وأسرهم، فلا يقتلون ولا يشرّد أهلهم، وهنا وقف أنصار الحسين ليعلنوا أن لا والله لا يكون أبدا، بل وطلبوا منه ما هو أكبر من ذلك فقالوا: "إنا نستحي من الله أن نعود وقد نجونا بأرواحنا، وتركنا أبناء رسول الله يُقتلون أمامنا، وإنا نقسم عليك ألا تحرمنا من أن ندخل الجنة اليوم مع جدكم معكم".. فبكى الأمام الحسين الذي يرى مظهر الولاء أما مظهر الجحود، وقال لفتيان بني هاشم: "لا عليكم أن تركتم لهم الصفّ الأول هذا اليوم".

ولما وقف الإمام بين الصفين نظر نظرة إلى من خانوا عهد الله ورسوله وهم مدججون بأسلحتهم ينظرون بأعين قد امتلأت حنقا وغيظا وغلا وبغضا، فسالت دمعته، وفاضت ولمحته السيدة زينب فدعته فقالت: "حسين" فقال: "لبيك يا أختاه"، قالت: "ما الذي أراه على وجهك أتجزع من الموت؟ إنك تقدم على أخيك الحسن وعلى أبيك علي وعلى أمك الزهراء وعلى جدك رسول الله صلى الله عليه وسلم" بأبي أنتي وأمي لله درك ومن رباك. إنه علي ابن أبي طالب، فالتفت إليها أبو عبد الله وقال لها: "إليكِ عنه فليس الحسين بالذي من الموت يجزع" فقالت: فما الحزن الذي أراه عليه وبالدمع الذي أراه في عينيك؟ فقال لها: "إني نظرت إلى القوم فوجدتهم يدخلون النار بقتلهم إيانا بدون وجه حق".

فما معنى الكلام؟ معنى الكلام أنه يريد حياتهم ويريدون موته.. ثم قال: "نظرت إليهم، فوجدت أنهم يدخلون النار بقتلهم لنا دون وجه حق، ووددت أن لو يدخلوا الجنة"..

واصطفت الصفوف، وبدأت المعركة، وخاض الحسين رحاها، وبدأ الأعداء يتخللون الصفوف إلى الإمام، وبدأت سيوفهم تنال من ذلك الجسد الطاهر، فالتفت فتيان بني هاشم والأنصار معهم، وتنادوا أن قاتلوا بين يدي سيدكم ولا تدعوه للأعداء عرضة يأخذونه..

فأقبل كل واحد منهم واحد بعد الآخر يستأذن الإمام الحسين في أن يقاتل بين يديه، فكان الحسين يأذن له فكان أول من استأذنه من أهل بيته ابنه عليّ الأكبر فقال: "ائذن لي يا أبتاه، فقال الحسين: دونك يا بني، فقام وهو يرتجل الشعر في هذا الموقف فقال:

أنا علي بن الحسين بن علي

نحن وبيت الله أولى بالنبي

لا يحكم فينا الدعيّ ابن الدعي

سترون اليوم سِتْري عن أبي

وقاتل حتى لقي الله شهيدا، فنظر أبو عبد الله وهو ابن بنت الرحمة المهداة إلى ولده، ودمه قد سفك على الأرض، فقبّل ولده، وقال: اللهم فاشهد اللهم فاشهد.

وتوالى الرجال بين يدي سيدهم واحد تلو الآخر، وكان من بينهم رجل كان خادما للإمام الحسين فاقترب من الإمام الحسين، وقال: يا أبا عبد الله ائذن لي أن أقاتل بين يديك. فقال لا عليك، إنما صاحبتنا على العافية؛ فقد جئت تأكل وتشرب وتخدم معنا، والقوم لن يقصدوك فارجع إلى أهلك سالما، فبكى الرجل الذي ذاق من كئوس أهل البيت ذوق الولاء، وقال: يا أبا عبد الله لقد تركتموني ألعق قصاعكم فضلة طعامكم، فلا تحرموني اليوم أن أدخل الجنة على جدكم معكم، أقسمت عليك بحق جدك إلا ما أذنت لي فأذن له..ثم قُتِل بين يدي سيده وسترونه يوم القيامة كيف يبدو".

واحتدم القتال وكان من أبناء سيدنا الحسن الذين شاركوا في المعركة مع عمهم شابا فتى يافعا في الرابعة عشره من عمره كان من أشبه أبناء أل البيت وفتيانهم وجها برسول الله، فقد كان وجهه كأنه فلقة قمر أقبل واستل السيف يقاتل فانقطع شسع نعله (رباط نعله) في المعركة، فأنكبّ على شسع النعل يصلحه، فجاء أشقى القوم وضربه على يافوخه -رأسه- بالسيف فخر على الأرض وهو يقول وا عمّاه، وكان الإمام قد اكتُنِف وأحيط بمجموعة من الأعداء يقاتلهم وحده، فلما فرغ منهم أسرع إلى ابن أخيه قالوا: فوجده على الأرض والدم يسيل من رأسه، وقدماه تفحصان على الأرض فأخذ رأسه ووضعها على فخذه وقبّله، وقال الحسين:

بأبي أنت، يعزّ على عمك أن تناديه يا عماه فلا يجيبك ولكن موعدنا الحوض عند جدك محمد صلى الله عليه وسلم".

واشتدّت المعركة وقتل من كان من الأنصار معهم وقتل من كان من آل البيت، وبقي الإمام وعدد من بقي معه وفيهم "العباس بن علي" حامل رايه أخيه لأبيه في المعركة، فكان يكرّ في الصفوف حتى يصل إلى النهر ويرجع، وكان الإمام يسمع مثل ذلك، وكانت في خيمة النساء السيدة سكينة بنت الإمام الحسين -أمها الرباب من أحب زوجات الإمام إلى الإمام- وكانت السيدة سكينة قد جمع الله لها بين العلم والأدب والورع والذكر والإقبال على الله، ولا يستغرب الشيء إذا جاء من معدنه، وكانت أحب بنات أبيها إلى قلب أبيها، وأكثرهن دلالا عليه، وكان إذا كرّ في الصفوف عاد فارّا ليتفقد النساء في خيامهن فكانت إذا سمعت صهيل خيل الإمام الحسين تخرج إلى خارج الخيمة تُطمئن أباها على النساء اللاتي في الخيمة.

وقُتِل العباس بن علي، وقُتِل أبناء السيدة زينب الذين كانوا في المعركة وقتل أبناء الحسين واحدا تلو الآخر ما خلا الإمام علي زين العابدين، الذي كان مريضا في خيمة عمته السيدة زينب، وكان هناك رضيعا وهو عبد الله بن الحسين يصيح من شدة العطش، فرفعه الإمام الحسين، وقال: يا قوم اتقوا الله في هذا الرضيع، وناولونا شربة ماء حتى نسقيه، فأخذ أحد الأشقياء سهما ورمى به الرضيع، فأصابه في عنقه، فاختلط دمه بيد أبيه، فنظر الإمام الحسين وقد امتلأت يده من دم ولده الرضيع، فرفع يديه إلى السماء وقال: اللهم اشهد، والتفت إلى الذي منع رضيعه الماء، وقال: أظمأك الله أظمأك الله، فصاح الرجل من ساعته: اسقوني اسقوني، فكان يشرب الماء فلا يزداد إلا ظمأ وعطشا، حتى كان يشرب القربة من الماء فلا يُروَى له عطش، فانفجرت بطنه ومات من ذلك المرض.

ولما بقي الإمام وحده يقاتل وقد أنهكه القتال من الصبح إلى العصر، التفت علي بن الحسين نحو الخيمة التي كان فيها، فرأى أباه وحيدا وإخوانه وأبناء عمومته وأنصارهم مقتولين ومجندلين على الأرض، فقال للسيدة زينب: يا عمة.. فقالت: بأبي أنت وأمي مالك يا علي.. فقال: ناوليني السيف والعصا.. فقالت: السيف تقاتل به، فما لك وللعصا؟ فقال: السيف أقاتل به والعصا أتكئ عليها؛ فإني لا أكاد أستقيم واقفا من المرض.

وخرج الإمام علي زين العابدين الذي لم يجاوز العشرين (في خلاف بين العلماء على سِنه) في ذلك اليوم، وأخذ يسحب قدميه إلى خارج الخيمة وهو لا يكاد يحمل سيفه بيده، فالتفت أبو عبد الله، وما رآه حتى قال: يا زينب ردي عليّ حتى لا ينقطع نسلنا من على الأرض.

الزوار

free counters

بحث هذه المدونة الإلكترونية